فاطراح كثير من الألفاظ -مع القصد إلى إفادة مدلولاتها اللغوية- لا يمس بفصاحة الكلام، ولا يقدح في بلاغته، ما دام الكلام منسوجاً على المنوال الذي ينسج عليها الفصحاء، وما دامت المعاني التي يراد نقشها في نفس المخاطب سالمة من أن تصل إلى النفس مختلة الهيئة، أو مبتورة بعض الأجزاء.
والمنوال الذي يحرِز به الكلام وصفَ الفصاحة، إنما يؤخذ فيه بما يرد عن فصحاء اللغة، فما ورد في منظومهم أو منثورهم، كان النسج عليه سائغاً مقبولاً، وما لم يعرِّجوا عليه في أقوالهم، كان خارجاً عن فصاحتهم، متعدياً حدود بلاغتهم، ولا يُرجَع في الحكم على الأسلوب بالصحة أو الفساد إلى الذوق، حتى يُجعل للذوق مدخلٌ في تقرير القواعد النحوية، وشاهدنا في هذا: أن اللغات تختلف في هذا الباب اختلافاً كثيراً.
فالعرب -مثلاً- لا يفصلون بين أداة التعريف والمعرَّف في حال، والألمان يوردون بين أداة التعريف والمعرَّف جملاً كثيرة، أفيصح للناشئ على لغة العرب أن يعد هذا الفصل في لغة الألمان خروجاً عن حد الفصاحة، ويدْعوهم -باسم التجديد- إلى أن يَدَعوه، ويَصلوا أداة التعريف بالمعرَّف لزاماً؟!.
وتتفق اللغتان العربية والألمانية في تعريف الاسم الذي يراد منه الجنس، وكثيراً ما يحذفونها في الألمانية حيث لا يصلح حذفها في العربية، فيقول العربي مثلاً: أحبُّ الشجر، وكذلك يتكلم الألماني بما يرادف هذا في لغته، إلا أنه قد يسقط في هذا المقام أداة التعريف، فيكون تعريب كلامه حرفياً: