"أحبُّ شجراً"، وذلك ما لا يقوله العربي حين يقصد إلى أنه يحب جنس الشجر، أفيصح لمن شبَّ على لغة العرب أن يثور على لغة الألمان، ويرميها بالخلل في مثل هذا الاستعمال الذي ألفه فصحاؤهم، وأصبح معنى الجنس مفهوماً منه كما يفهم من استعمال الشجر مقروناً بأداة التعريف؟!.
هذا الاختلاف هو الذي يحتم علينا أن نرجع في تقرير قوانين اللغة من الوجهة النحوية إلى ما يجري عليه فصحاؤها، وحقيق علينا أن نتلقى كل ما جروا عليه في منظومهم ومنثورهم بالتسليم والقبول، ولا يضرّ شيئاً من أساليبهم أن ذوقاً لم يتقلَّب فيما تقلَّبت فيه أذواقهم، أو لبس صبغة لغة أخرى، أن يتنكر له ويطيش في القول إلى أن يرميه بالبعد عن مواقع الفصاحة.
وإذا كان مقياس الفصاحة عند أهل اللغة إنما يعتمد على استعمال الفصحاء، فكل ما يجيء في القرآن مما يرجع إلى قانون تأليف الألفاظ، ووضعِ كل مفرد موضعه اللائق به، لا نتردد في أنه استعمال عربي فصيح، ولا نرتاب في أنه وارد على وَفْق ما ينطق به فصحاء العرب من غير تجافٍ عنه، ولا تحرج منه، وحجتنا في هذا: أن آيات كثيرة تصف القرآن بأنه عربي؛ أي: أنزل بلغة العرب لفظاً وأسلوباً، قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف: ٢]، وقال تعالى:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[فصلت: ٣]، وقال تعالى:{وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل: ١٠٣]، ولو جرى شيء من القرآن على ما يخالف قوانين اللغة، لما صح أن يقال فيه: إنه نزل بلسان عربي مبين، ولوجد خصوم الإسلام من فصحاء العرب الطريقَ إلى أن يطعنوا في الآيات النازلة على غير القوانين المركوزة في طبائعهم، ويرموها