المثل السائر:"في بيته يؤتى الحكم"، وما يضاهيه في احتوائه ضميراً يعود على متأخر في اللفظ، متقدّم في الرتبة؛ كما قال تعالى:{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}[طه: ٦٧].
وقال أرطاة بن سهية:
تمنَّتْ وتِلكُم من سفاهة رأيها ... لأهجوَها لما هجتني مُحارِبُ
فـ "الحكم" في المثَل، و"موسى" في الآية، و"محارب" في البيت قد وردت مفسرة لضمائر ذكرت قبلها، ولم يجد النحاة فيها أو في أمثالها ما يخالف قاعدة مطردة حتى يحتاجوا فيها إلى تكلف وتأويل، بل النحاة أنفسُهم قرروا قاعدة صحة عود الضمير على ما كان متأخراً في اللفظ، وأصلُ رتبته في نظم الكلام التقديم، وشواهد هذه القاعدة في القرآن وكلام العرب بالغة من الكثرة ما يمنع أن يحوم حولها خلاف، والذي جرى فيه الخلاف بينهم إنما هو الإتيان بالضمير مفسراً باسم يتأخر عنه لفظاً ورتبة، نحو:"زان علمُهُ محمداً"، فالجمهور يذهبون إلى فساد مثل هذا التركيب، ويذهب الأخفش، وابن جني، وابن مالك إلى صحته، ومن شواهدهم على هذا قول حسان:
ولو أن مجداً أخلدَ الدهر واحداً ... من الناس أبقى مجدُه الدهرَ مُطْعِما
فالحقيقة أن النحاة لا يوجبون عودَ الضمير على متقدم في اللفظ والرتبة، بل يجيزون عودَه على متأخر في اللفظ، وهو متقدم في الرتبة، كما يجيزون عوده على متقدمه في اللفظ، ورتبتُه التأخير؛ نحو قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ}[البقرة: ١٢٤]. فمن الخطأ المكشوف قول المحاضر:"القاعدة النحوية أن ضمير الغائب يجب أن يعود إلى مذكور يتقدمه لفظاً ورتبة".