تعظيماً لنفسه، وورد عنهم ضمير الجمع المخاطب في الواحد بقلة، ومن شواهده قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}[المؤمنون: ٩٩] الآية. حيث وقع خطاب الله تعالى بواو الجماعة؛ إجلالاً وأدباً.
وقفت لهم فيما يستعملون من محاسن البديع على مثل: الجناس، والتورية، وكانوا يعتبرون في طريقة شعرهم اتفاق الكلمات في أحرفها الأولى، وأصبحت اليوم مراعاتهم لهذا الشرط نادرة.
أما صناعة الخطابة، فإني كنت شهدت محاضرات وخطباً كان أصحابها ينظرون عند إلقائها إلى أوراق نصب أعينهم، فوقع في خاطري أن هذه الصناعة لم تبلغ عندهم أشدها، ولكني حضرت مسامرة موضوعها:"الإسلام في عالم الحرب"، فقام بعد المسامر ثلاثة خطباء من غير أوراق، وألقوا خطباً مسهبة بترسل في القول وتؤدة، ولا يشير الخطباء بأيديهم كثيراً حال الخطبة، بل سمعت منهم من ينكر ذلك الصنيع، ولا سيما حركة لا يكون وضعها مناسباً للمعنى الذي يقترن بها، وهذا ما كان العرب ينقدونه على خطبائهم أيضاً، قال الحجاج لأعرابي: أخطيب أنا؟ قال: نعم، لولا أنك تشير باليد، وتقول: أما بعد.
ويعدون (بسمارك) من أبلغ خطبائهم الذين يخطبون بلهجة شديدة، ولبلاغته في لسانهم يستشهد مؤلفو الكتب اللغوية ببعض عباراته.
يوجد في أدبائهم من يقول الشعر ارتجالاً، كنت حضرت لشاعر يقف في مشهد عظيم، فيلقي عليه طوائف من الحاضرين جملاً منثورة في معان متباينة، وهو يكتبها في أوراق بيده جملة بعد أخرى، وبأثر الفراغ من الكتابة ينطق بكل جملة مثها شعراً، يؤديه في صوت جهوري، ولهجة قوية.