ثانيهما: بقاؤه في جسم الأمة كعضو يشرب من دمها، ويأكل من لحمها، بل كعضو يسري منه مرض البطالة إلى أشخاص لا تعرف نفوسهم العزَّة، فيكثر سواد هؤلاء الثقلاء في البلاد، قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده! لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خيز له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله، فيسأله أعطاه أو منعه"(١).
فحرام على من يستطيع كسب الرزق أن ينكث يده من العمل، ويجلس متشوفاً لما سمحت أو تسمح به نفوس المحسنين لمن قعد به العجز عن طريق الاكتساب.
فلو بدا لأولي الأمر أن يهيئوا للعاجزين عن الكسب ملاجئ، ويأخذوا على أيدي المتسولين؛ حتى يضطر صحيح البنية إلى مباشرة بعض الأعمال الحيوية، لوجدوا في الإِسلام ما يحثهم على أن يبنوا الملاجئ، ويمنعوا المتكففين من التجول في الطرق والأسواق.
وقد بث الإسلام روح التعاون في النفوس لأول ظهوره، ترى هذا في حياة المسلمين بالمدينة عقب الهجرة، فقد ورد في الصحيح: أن المهاجرين قدموا من مكة وليس بأيديهم شيء، فعرض الأنصار على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم النخيل بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا، فعرضوا عليه بعدُ أن يكفيهم المهاجرون مؤونة العمل، ويشركوهم في الثمرة، فأجاب لذلك، فقاسمهم الأنصار على ذلك، وكان الأنصار يؤثرون المهاجرين بما عندهم، وإن كانوا في حاجة إليه، وهو الإيثار الذي مدحهم الله تعالى به في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ