وقد أدرك علماء الإِسلام في القديم فائدة انفراد كل طائفة بعلم تُفْرِغ فيه جهودها، وتَصرِف فيه جانباً كبيراً من أوقاتها، فاختلفت وجهاتهم على قدر ما كان بين أيديهم من العلوم، وظهر النبوغ في هذه العلوم على اختلاف موضوعاتها، وتباعد أغراضها.
وقد يكون اختلاف الناس في إِتقان هذه العلوم من دواعي الفطرة، بأن يقبل كل إِنسان على العلم الذي يجد في نفسه الميل إلى تعاطيه، فإن وجد الرئيس همم الناس منصرفة عن بعض العلوم، اتخذ وسيلة إلى حمل طائفة منهم على مزاولته.
وأما أن الشمريعة بَنَت كثيراً من أحكامها وآدابها على قاعدة التعاون، فشواهده كثيرة، تجد هذه الشواهد في التعاون على حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والنسل.
من شواهد التعاون على حفظ الدين: أن الشريعة نظرت إلى ما ينبني على التفقه في الدين من إنارة الجاهلين، وإنذار المسرفين، وتنظيم الحياة على وجه أدعى إلى الارتياح والاطمئنان، فلم تتركه لهمم الأفراد التي قد يطرأ عليها ضعف أو انصراف عن التعلم، بل فرضت على كل فرقة من المسلمين أن يرحل منها طائفة إلى المواضع التي يمكنهم أن يتفقهوا بها في الدين، ثم يعودوا إلى قومهم، فتبقى عقائد الدين وواجباته وآدابه محفوظة بينهم.
قررت رحلة طائفة للتفقه في الدين، وفيه معنى التعاون على حفظه، وورد في الشريعة الأمر بالتعاون على حفظ الدين من وجه آخر، وهو أن رجال القبيلة أو القرية قد يغفلون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتضيع