للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاد من الحرف والصنائع، وجب على أولي الشأن العملُ لسد حاجات الأمة، وإقامة الحرفة أو الصنعة المفقودة، ولو ببعث طائفة إلى خارج البلاد ليتعلموها، ويحسنوا القيام عليها.

وقد دلنا التاريخ الصحيح لعهد النبوة: أن الناس كانوا يتعاونون على مرافق الحياة، ووسائل السعادة، فقد روى الإِمام البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه قال: "إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصَّفْق (١) بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يَلْزم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون".

فدل الحديث على أن طائفة من المهاجرين كانوا يشتغلون بالتجارة، وطائفة من الأنصار كانوا يشتغلون بالفلاحة والزراعة، وأن أبا هريرة كان منقطعاً لطلب العلم، وعرفنا من طريق غير هذه الرواية: أن في الأمة لذلك العهد طائفة كانت تتعاطى بعض الصنائع؛ كالتجارة، والحدادة.

ولم يكن أهل الصُّفّة (٢) إلا بمنزلة الجند المهيأ للدفاع، زيادة على ما كانوا يتلقونه من علم، فلهم من هذه الناحية قسط عظيم من التعاون المطلوب في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢].

يجري على شاكلة الحرف والصنائع: العلومُ والفنون، فقد قرر علماء الشريعة أن كل علم أو فن يحتاج إليه في الحياة يجب أن تقوم به طائفة الأمة، فمن التعاون على تنمية العلوم وتحقيقها: إقبالُ كل طائفة على علم يقتلونه بحثاً، ويحيطون به من كل جانب، وإنما اتسعت دوائر العلوم بمثل


(١) البيع والشراء.
(٢) موضع مظلل في مسجد المدينة يأوي إليه المساكين.