الكفاية ببلد آخر أن ينتقلوا لإِرشاد أولئك الضالين، وإِن احتاجوا إلى نفقة أو وسيلة غيرها، وجب على القادرين على مساعدتهم بالمال، أو بتهيئة ما احتاجوا إليه من وسائل أن يعينوهم على أداء واجب الإِرشاد، فيسقط الوجوب عن الجميع. وقيادة الجيوش تجب على من جمع إلى الشجاعة العلم بالفنون الحربية، فإذا امتنع من تحققت فيه شروط القيادة من الخروج إلى مواقع القتال، لا يتركون وشأنهم بعلَّة أن الأمر بقيادة الجيش موجه إليهم وحدهم، بل على أولي الشأن إجبارهم على تولي قيادة الجيش، فإن لم يجبروهم، كانوا في العقوبة سواء، بل لولي الأمر أن يعمد إلى من فيهم الكفاية لأمر من الأمور، ويعين من بينهم شخصاً أو أشخاصاً للقيام به، فيصير بهذا التعيين فرض عين لا يسوغ لهم التأخر عنه.
ومن المطلوب على الكفاية ما هو ديني محض؛ كالصلاة على الميت، ومنه ما يرجع إلى مطالب مدنية؛ كتعاطي بعض الحرف أو الصنائع المحتاج إليها في انتظام حال الجماعة. والنوع الأول يبعث على القيام به القصد إلى امتثال أمر الله تعالى، وأما النوع الثاني، فقد يبعث عليه داعية فطرية، ذلك لأن همم الناس تختلف في توجهها إلى ما تستدعيه الحياة من الحرف والصنائع، فيوجد في أغلب البلاد الحداد والنجار والبناء والصائغ والخائط والحمال والكنَّاس، إلى غير هذا من الحرف والصنائع الضرورية، ومن المحتمل أن لا تطَّرد هذه السنَّة في بلد أو في عصر، فيزهد الناس في حرفة، أو في صناعة، فلم يدع الشارع هذه الضروريات أو الحاجيات إلى الدواعي الفطرية وحدها، بل جعل القيام بكل حرفة أو صناعة يُحتاج إليها في الحياة فرضَ كفاية، حتى يستقيم أمر الحياة، فإن لم تختلف همم الناس اختلافاً يفي بما تحتاج إليه