إلى العزلة، وأطلقوا القول في التشويق إليها، وسرت هذه الدعوة على علاتها، فاستولت على النفوس الضعيفة، وحسب كثير منهم أن الاعتزال عن الناس قاطبة من شعار الصلاح ومطالب التقوى، وربَّ حالةٍ تنشأ عن رأي خاص، وتتحكم إلى أن تصير طبيعة من الطبائع الغالبة في الجمهور، ويظهر أثرها حتى على منكري ذلك الرأي ومفنديه، فمن الممكن أن ينشأ الرجل في بيئة تهافت الناس فيها على إيثار العزلة، فتعتاد نفسه الانقباض عن لقاء الناس، وإن لم يستصوب مذهبَ الداعين إلى العزلة والانفراد.
حثَّ الإسلام على التعارف، وشرَّع في وسائله آداباً كثيرة؛ كحج البيت الحرام، والصلاة في الجماعة، وسنّة إلقاء السلام، وفضيلة التزاور، والحكمة في مثل هذا: طبع النفوس على خلق الميل إلى أن تتعارف، وتدخل في مسالك الحياة الاجتماعية، حتى تكون الرابطة محكمة، والمصالح قائمة.
لسياحة النبهاء في بلاد الإسلام فائدة لا تقل عن فائدة السياحة في البلاد الأجنبية، فإن كانوا يرحلون اليوم إلى البلاد الغربية للاطلاع على آثار قوتها، ومظاهر مدنيتها، فالتجول في البلاد الشرقية يجعلهم على بصيرة من كنه حالتها، ويقف بهم على العلل التي أوهت رابطتها، وكادت تلقي بها في شقاء وبلاء، لا تجد عنهما مخرجاً.
والحكيم الذي يدرك منشأ الضعف والوهن الساري في نظام الأمة، يهتدي إلى وسائل علاجه بسهولة، ولا يمسه الضجر والملل، ولو طال عليه أمد المعالجة، أو لقي في سبيلها نصباً.