الأدبية، فيسهل على العالِم -ولاسيما أن بلاد الشام وطن واحد- أن يتحول إلى حيث يكون نظام الاجتماع راقياً، ومجال العمل فسيحاً.
يرحل العلماء؛ لما أومأنا إليه من إحراز علم نافع، أو اغتنام حياة شريفة، ولم تكن رحلاتهم لتخلو بعد هذا من فائدة التعارف، وتوثيق عرا الجامعة التي لا تقوم السعادة إلا على أركانها؛ فإن الأمراء الراشدين، والعلماء المستقيمين، لا يحل بدارهم عالم نبيه، أو يؤوب إليهم من سفره، إلا التقطوا من محاورته أنباء البلاد التي نزح عنها، أو عرج بها؛ ليقتدوا بآثارها، أو يسعوا جهدهم إلى تلافي الخطر الذي نزل بساحتهم.
وربما قام بعض العلماء بسفر، لا ينوي به سوى خدمة الجامعة ولمِّ شعثها، كما طاف أبو الوليد الباجي بين أمراء الأندلس، يدعوهم إلى نبذ الشقاق، والعود إلى الاتحاد والتناصر. وسافر أبو عبد الله بن الأبّار القضاعي من الأندلس إلى سلطان تونس أبي زكريا؛ ليهز عاطفته إلى نجدة الأمير زّيان بن أبي الحملات، ومعاضدته على إنقاذ "بلنسية"، وأنشد بين يديه قصيدته التي يقول في طالعها:
أدركْ بخيلِك خيلَ الله أَندلُسا ... إن السبيل إلى منجاتها دُرِسا
ثم خمدت داعية الشوق إلى البحث عن أحوال الشعوب، وعقد روابط التعارف بين الجماعات والأفراد، ولا أكون مغالياً إذا قلت: إن التخاذل إنما دخل على الحالة الاجتماعية من ناحية التهاون بهذه الغاية، وإقبال الطوائف على مآربهم القاصرة عليهم، وشؤونهم الخاصة بهم، ولا يسع المقال الخوض في العلل التي أماتت داعية التعارف، وأقامت التجافي مقامه، ويكفي أن أقول بإيجاز: إن بعض من ألصقوا نفوسهم بالصوفية غلوا في الإخلاد