وقلة مقوماته، فالألفة التي ينتظم به أولو العلم والأدب -مثلاً- أمتن من الألفة التي تدور بين طائفة لا جامع بينها سوى الاشتراك في نسب أو صناعة:
وقرابةُ الأدباء يقصر دونها ... عند الأديب قرابةُ الأرحام
وعلى هذا المبدأ تقوم الرابطة الدينية، أو القومية، أو الوطنية، فيعطف الإنسان على من يدينون بشريعته، أو ينتمون إلى قبيلته، أو يشبون في وطنه، والمثير لهذه العاطفة: شعوره بوفاقهم له في كثير من مبادئه وتقاليده وطرزِ حياته.
وإذا كانت العاطفة الدينية تتولد من الاتحاد في كثير من الأحوال النفسية والتقاليد العملية، دخلت في جملة العواطف الفطرية؛ أعني: ما يقوم بالنفس من أسباب واقعية، دون أن يتوقف عن أمر الشارع، أو موعظة الخطيب. وينبئك بكونها من الطبائع التي ترتسم في النفس لمجرد التوافق في العقيدة أو المسلك: أنك لا ترى أمة تنتحل ديناً، أو مذهباً اعتقدت حكمته، إلا وقد اشتبكت بينها أوصال التراحم، ولو لم تتلقن من دينها أو مذهبها تعليم هذه العاطفة، والحث على تأكيدها، فمن تقلد ديناً، وادعى أن عواطفه على شيعة هذا الدين وغيرهم في درجات متساوية، فقد ادعى ما تأباه الفلسفة، ويرده الاختبار والتجربة.
فلسلطان المغرب -الذي راسله صلاح الدين الأيوبي طالباً منه المدد بالأساطيل لحماية ثغور الشام- عاطفة دينية، ولكنها كانت من الضعف بحيث أخمدها، وأطفأ بارقتها: أن ذلك المجاهد العظيم خاطبه بأمير المسلمين بدل أمير المؤمنين الذي هو لقب الخلفاء، فرد البعثة الصلاحية إلى مرسلها خائبة، ولم يبال بالسهام التي ترشقه بها أقلام المؤرخين، والحيرة في الجواب