حذر الإسلام أن تتضاءل العاطفة الدينية، فيضيع كثير من حقائق الشريعة وعزة أهلها، فجاء بما يربيها ويحييها في النفوس حياة زاكية؛ كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، ثم كره أن تطغى كما طغت في نفوس أمم أخرى، فتحملها على التحيز إلى من يوافقها في الدين، فتؤثره بحقوق غيره، وتشد أزره وإن كان مبطلًا، فجاء بما يهذب حواشيها، ويسكبها في قالب عمراني يتمكن معه الشعب المسلم من معاشرة غير المسلمين، فيعيشون على صعيد واحد، ولواء السلام والعدالة الصادقة يخفق على رؤوسهم كما قال الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨].
وكقوله تعالى في حق الوالدين:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: ١٥]، فقد أرشدت الآيتان وما يشاكلهما إلى صحة معاشرة غير المسلمين، وإقامة معاملتهم على قواعد البر والعدالة، ولكنها أذنت للمسلم إذا ابتغوا الخروج به عن سيرة الشرع المحكمة، وآدابه اللامعة، أن يقبض يده عن وفاقهم، ويلوي بعنقه عن طاعتهم، وإن كانوا بمنزلة والديه اللذين هما أشد الناس به صلة، وأحقهم بامتلاك زمامه.
فالعاطفة الإسلامية لا تصادم غيرها من سائر العواطف الصحيحة، فيستقيم للنفس الواحدة أن تحمل عاطفة تحنو بها على من يسايرونها في طريق سعادتها الباقية، وأخرى تشفق بها على من نشؤوا معها في منبت، أو قاسموها القيام