فالمسلمون أصفى البشر ضمائراً، وأفسحهم صدوراً في مرافقة من تجمعهم به رابطة الإنسانية، فقد كانوا يوم لا يرهبون سلطة أجنبية، ولا يرون في العالم دولة تسير على منهج عدل، أو تقيم سياستها على دعامة حرية ومساواة، يعترفون بمزية غير المسلم، ويشركونه في إدارة شؤونهم، ويبذلون وسعهم في الدفاع عنه، ولو أفضى إلى إراقة دمائهم، وينطقون في رثائه بأبلغ القصائد، كما فعل الشريف الرضي، وهو من آل بيت النبوة عند موت أبي إسحاق الصابي، وقال: رثيته لفضله.
لئن كان في القوم الذين يقال فيهم: إنهم حماة الإنسانية، ورافعو لواء الحرية مَن يفرق في سياسته بين الشعوب التي تناضل عن حقوقها، وتشن غارة الاحتجاج على من يريد أن يستبد في أمرها، وبين الشعوب الجاهلة الصامتة، فيخفف وطأته على الأولى، ويشد خناق الاستعباد على الثانية، فقد كان المسلمون من قبل أن تبزغ شمس الصحافة في الكرة الأرضية، وحيث لا مسيطر يقوم على رؤوسهم، ولا رقيب يحصي عليهم أعمالهم، يحترمون ذمام إخوانهم في الوطن، ويبسطون إليهم بوسائل المودة؛ إجابة لداعي الإنسانية، وامتثالاً لأوامر شريعتهم السمحة.
فلو قال قائل: إن الإسلام أول من أرى البشر كيف تتحد الأمم المتباينة في مللها، المختلفة في شرائعها، وتستقيم لهم الإقامة في وطن واحد، يتمتع كل منها بحقوقه المدنية، وشعائره الدينية، لوجد في التاريخ ما يناصره، ويذهب بالريبة من قلب مخالفه.