على مناصرة الحق والدعوة إليه إلا بإزاء قوة اجتماعية يكون زمامها بيد رئيس عادل، فبادروا إلى سقيفة بني ساعدة، وائتمروا في قضية الرئاسة، فقال الأنصار للمهاجرين: منا أمير، ومنكم أمير، حتى سمعوا الحديث الذي يرشد إلى أن الإمامة في قريش، فانحلت عقدة العصيبة من قلوبهم، وعدلت بهم الحجة عن رأيهم، وما لبثوا أن مدوا أيديهم بعد يد عمر بن الخطاب إلى مبايعة الصدِّيق، فانعقدت رئاسته باتفاق أهل الحل والعقد، وسمّوه: خليفة رسول الله. ومن هنا نشأت تسمية تلك الرئاسة خلافة.
فالخلافة نيابة عن صاحب الشريعة في رفع لواء الحق، والسير بالأمة على مناهج السياسة القيمة.
تنعقد الخلافة بمبايعة أهل الحل والعقد؛ كخلافة الصديق، وعلي بن أبي طالب، أو بايصاء من الخليفة السالف كما انعقدت خلافة الفاروق بعهد من أبي بكر، وخلافة عمر بن عبد العزيز بعهد من سليمان بن عبد الملك. ولم يعهد بها عمر بن الخطاب إلى رجل يثق بكفايته ومقدرته كما فعل الصديق، ولا وكلها إلى آراء الأمة جملة كما فعل أكمل الخليقة - صلوات الله عليه -، بل وقع اجتهاده ذلك العين على أن يلقي أمرها إلى أولئك النفر الذين عرفوا بين الأمة بسداد الرأي والأمانة، فائتمروا فيما بينهم، ووضعوا مقاليدها يزيد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
وقد ينهض لها بعض من يعد في بادئ أمره متغلباً، ويملك من القوة ما يحمل صاحبها الشرعي على أن يتخلى عنها بنفسه؛ كما صنع الحسن بن علي إذ جنح إلى سلم معاوية بن أبي سفيان، أو تنقلب إليه بموت من تولاها بحق؛ كما صارت إلى عبد الملك بن مروان بموت عبد الله بن الزبير، وانتقلت