إلى عبد الله السفاح بهلاك مروان بن محمد، وانقراض دولة بني أمية.
وردت أحاديث صرحت بأن الأئمة من قريش، فوقف كثير من العلماء الأقدمين عند ظاهرها، وأخذوا في وصف الخليفة كونه قرشياً، ولكن المحققين الذين يتفقهون في النصوص، ولا يغفلون عن النظر إلى المصالح والمفاسد التي بنيت الشريعة على رعايتهما، انتبهوا إلى أن الإِسلام أول من قرر قاعدة المساواة بين البشر على وجه ثابت، وألغى في نظره التفاضل بالأنساب، فلم يجعل له في تقرير الأحكام العامة نصيباً، فبدا لهم أن التصريح بنسب القرشية في الحديث إنما يرمي إلى ما يحقق شرط الكفاية والقدرة على القيام بأعباء الخلافة، وهو قوة الحامية.
وقد اختصت قريش لذلك العهد من بين سائر القبائل بقوة العصبية وشدة المراس، فإذا تلاشت عصبيتهم، وتمزقت جامعتهم، ووقع عنان الخلافة في يد أمير قوي سلطانه، وكانت يده أبسط وأقوى على حماية الحقوق والبلاد، وجب الوثوق بطاعته، والمسارعة إلى نجدته، وإن لم يكن قرشياً.
وقد بسط هذا التحقيق العلامة ابن خلدون في مقدمة "تاريخه"، وذكر أن القائلين بنفي اشتراط القرشية في الخلافة القاضي أبا بكر الباقلاني، حيث أدرك ما آلت إليه عصبية قريش من التلاشي والاضمحلال. وممن صرح بصحة الخلافة من غير القرشي القاضي محمد بن علي الشوكاني، فقال في كتاب "وبل الغمام": إن عمومات القرآن تدل على وجوب الطاعة لغير القرشي، ومن الأدلة الخاصة بذلك حديث:"أطيعوا السلطان، وإن كان عبداً حبشياً رأسه كالزبيبة"، ومن زعم أن ثم فرقاً بين الإمام والسلطان، فعليه الدليل. وبمثل هذا أفتى القاضي أبو عبد الله المقري؛ إذ قال للسلطان أبي عنان -وهو من