الفلسفة، وشب في أطواقها، ولم ينظر في حقائق هذا الدين على بصيرة وروية، أو مسلم لم يخض في غمار المباحث الفلسفية، وحسب أن جملتها قضايا باطلة أو لاغية، ولاسيما حيث لا يترامى إليه من أبوابها سوى نبذة من الآراء المنكرة على البديهة، أو يصغي إلى استدلالات بعض المتفلسفة الذين ينزعون إلى المقدمات الوهمية، ويتشبثون بخيوط واهية من ضروب التمثيل.
ومما أثار الشبهة في عدم مطابقة الدين للفلسفة: ما ألصقه بعض المبتدعة أو الزنادقة من مزاعم باطلة، وأحاديث مختلقة، وتأويلات سخيفة. وهذه السيئات، وإن كشف الراسخون في العلم ستارها، وطهَّروا أكناف الشريعة من أوضارها، لا تزال آثارها كشامات سوداء في سيرة بعض من وصفوا أنفسهم، أو تصفهم الرعاع بالزعامة في الدين، ودأب من يتحرّون في أنظارهم ومحاكماتهم القوانين النطقية، والسنن المتبعة فيما يعقد بين ذوي الإِنصاف من المناظرات، أن يرتكبوا خطيئة وزن الشرائع بحال من انتمى إليها، ويرموها بنقيصة من يدخل في حساب أهلها.
في الفلسفة قضايا تثق بها العقول الراجحة، وتنهض بجانبها الأدلة القاطعة، وهذه لا تصادم نصوص الدين من كتاب أو سنَّة، والذي لا يلتقي مع هذه النصوص إنما هو بعض آراء لم تقم على مشاهدة بينة، أو نظر راسخ. وقد ضاعت في شعاب هذا النوع قلوب من استخفهم الحرص على أن يلقبوا بالفلاسفة، وتخيلوا أن هذا اللقب لا يحرزه إلا من آمن بكل ما بين دفتي فلسفة "أرسطو"، أو "ديكارت"، فتطوح بهم التقليد الجامد إلى القدح في نصوص الشريعة، أو التعسف في تأويلها، إلى أن اقتحموا لذلك وجوهاً تخرج