لست ممن يستخف بشأن الفلسفة، أو أرى التردد على أبوابها، والتوغل في مناكبها إنفاقاً للوقت في غير جدوى، ولكني أنصح للعالم المسلم أن يجعل الكتاب العزيز والسنَّة الثابتة بالمكانة العليا، ولا يعدل في تفسيرهما عما ينساق إليه الذهن ويقتضيه الظاهر من اللفظ، إلا أن يمانعه المحسوس، أو تجاذبه نظرية ثبتت بأدلة لا تخالجها ريبة.
ومن العجب أن يقوم بعض الكاتبين في الفلسفة إلى الإسلام الذي ألقى تعاليمه على صعيد الحرية، وأوعز إلى العقول أن لا تقبل رأياً بغير برهان، فيصفه بمناوأة العلم، ويقذفه بأنه قتل العلوم، وقتل نفسه بقتلها. وإن وصمة كهذه لا تجد مساغاً لأن تلتصق بدين يأتي في نسق آياته:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف: ١٠٥]، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩]، إلى ما يشاكل هذا من الآيات والأحاديث الطافحة بالحث على النظر، البالغةِ في التنويه بفضيلة العلم، والتشويه برذيلة الجهل، ما لا يجحده إلا من كان بينه وبين الإِنصاف مهاق مغبرة، أو أسرَّ في نفسه القضاء على الإِسلام. وإن الإِسلام دين لا ينتقص نورَه إلا النفوس المصابة بعلل لا ينجع فيها علاج.
فأصول الدين قائمة على الأساس الذي بنيت عليه الفلسفة؛ أعني: الفكر والتدبر، ومن فروع الشريعة ما هو عائد على العبادات، ويعدونه فيما يتلقى من صاحبها على وجه المتابعة، ومعنى هذا: أن العقل الصحيح لو خلى ونفسه، لا يهتدي إلى حكمة تشريعه، كما أنه لا يستطيع إنكاره ورده بالمعروف،