للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية، فقد حصل الكمال. ووضعوا اثنتين وخمسين رسالة، وسموها: "رسائل إخوان الصفاء"، وبثوها في الوراقين.

ولا عجب أن يقوم جماعة في البصرة بمزج الشريعة بالفلسف؛ فقد كانت البصرة لذلك العهد مظهر الآراء البعيدة، أو الخارجة عن الشريعة؛ كالاعتزال، والباطنية، كما أنها مظهر الآراء السليمة، فكان هناك المعترك بين الحقائق والمكايد.

وصف أبو حيان التوحيدي في حديثه هذا زيدَ بن رفاعة بالذكاء. والذكاء منه ما يتجه إلى الخير، فيأتي بثمر طيب، ومنه ما يتجه إلى الكيد والمكر، فيكون عدمه خيراً من الاتصاف به.

وقال أبو حيان التوحيدي: "إن هؤلاء الجماعة اجتمعوا على القدس والطهارة". ولما قرأنا الرسائل، وجدناهم اجتمعوا على أن يسلكوا بالمسلمين طريقة لا يستقيمون بها، ولا يسعدون. والفلسفة مطروحة بين أيدي المسلمين قبل أن يوجد هؤلاء الجماعة، فيستحسنون ما كان منها صواباً؛ كالهندسة، والحساب، والمنطق، والطب، وأحكام النجوم المعروفة بالتجارب، ويرفضون ما كان خطأً، كبعض النظريات الإِلهية، والاجتماعية، وفيما وراء الطبيعة.

وحكى أبو حيان في حديثه: أن مؤلفي "رسائل إخوان الصفاء" قالوا: "إن الشريعة قد في نست بالجهالة، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة".

والواقع أن الشريعة كما أنزلت، ليلها كنهارها، وإذا اختلف الأئمة المجتهدون في بعض الأحكام، فلأدلة من الكتاب، أو السنّة، أو الأصول