للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوازع لهم من أنفسهم، وتحملهم على دفاع الناس بعضهم عن بعض، واعتبر ذلك بدولتهم في الملة، لمّا شيّد لهم الدين أمر السياسة بالشريعة وأحكامها المراعية لمصالح العمران ظاهراً، وباطناً، وتتابع فيها الخلفاء، عظم حينئذ ملكهم، وقوي سلطانهم".

فابن خلدون حكم على العرب بالبعد عن سياسة الملك عندما كانت طباعهم الجاهلية لا تلائم الملك، ولكن لما بدل الإِسلام طباعهم الخشنة بطبائع لينة، مارسوا الملك بسياسة رشيدة، ونهجوا في الحكم أقومَ نهج، وسلكوا أعدلَ سبيل، فعظم ملكهم، وقوي سلطانهم.

ويحسن أن نشير هنا إلى أن سياسة الملك هي: التصرف في الوقائع العامة على حسب مقتضى أحوال العصر الذي يعيش الناس فيه، والبراعةُ في السياسة، وملاءمتُها لهذه المقتضيات تتوقف على ذكاء وافر، وحلم واسع منضبط، وعزم صارم في إنفاذ العقوبة فيمن يستحقها.

أما الذكاء، فقد كان موفوراً لهم، ومن دلائله: لغتهم التي نزل بها القرآن على ما يستعملونه من حقيقة ومجاز، واستعارة وكناية وتعريض.

وأما الحلم والعزم، فقد لازمهم النقص فيهما زمن الجاهلية، فكانوا يقتلون القوي بالضعيف، والجماعة بالواحد، والحر بالعبد، والذكر بالأنثى، ويعتدي أحدهم أشدَّ مما اعتُدي عليه، حتى قال بعضهم:

ألا لا يجهلَنْ أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا

وكان رئيسهم يشعر بالحاجة إلى العصبية لكل من يقول بنصرته ظالماً أو مظلوماً، فيكفّ يده عن معاقبة المعتدين إذا كان من قبيلته خشية أن يخذله هو وأقاربه، وشأن العرب، بل الناس ألا يحكموا على أبيهم وأقاربهم بالاعتداء