فلما جاء الإِسلام، سلك سبيلَ الرشد في ذلك كله، فنهى الله -سبحانه وتعالى- من اعتُدي عليه عن أن يعتدي بأكثر مما اعتُدي به عليه، فقال تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، وأذن للمعتدَى عليه بأن ينتقم ممن اعتدى بمثل اعتدائه، قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠]، وحث على العدل دائماً، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء: ١٣٥].
وندب الإِسلام إلى الحكم ممن صدر منه الزلل مراعاة لمكارم الأخلاق، فمن أغضى عن زلل معتد، فقد قضى حق مكارم الأخلاق، ومن اعتدى بمثل ما اعتدي به عليه، فقد قضى حق نفسه، وقد قال الخليفة المأمون: لو علم الناس ما أجده من لذة العفو , لتقربوا إلينا بفعل الجنايات. لكن إذا علم الإِنسان أن قصد من اعتدى عليه إذلاله ومهانته، فذلك موضع العمل بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى: ٣٩].
ومعرفة موضع الانتقام من موضع الحلم يرجع إلى الذكاء المهذب، كما قال الشاعر:
يقولون رفقاً قلت للحلم موضعٌ ... وحلمُ الفتى في غير موضعه جهلُ
ومن صفات من يتولى سياسة الناس أن يكون شجاعاً؛ حتى يكون قادراً على إنفاذ العقوبة فيمن وجبت عقوبته، فقد يكون مرتكب الكبيرة شديداً بنفسه أو بأنصاره، فلا ينفذ فيه العقوبة إلا شجاع قوي، وكانت الشجاعة من أظهر صفات العرب في الجاهلية والإِسلام، ومن الدلائل على ذلك: