الحروبُ المتواصلة بين القبائل، وعجزُ الدول الكبيرة عن الاستيلاء على بلادهم، إلا أطرافًا اقتطعت أيام المناذرة في العراق، وأيام الغساسنة في الشام.
ومن اجتمعت فيه صفات السياسي البارع؛ من ذكاء، وحلم، وشجاعة، وعزم على إنفاذ العقوبة في الجناة، لزمه أن يتخذ رجالاً أقوياء، كما قال الشاعر في معز بن باديس:
وإنَّ ابنَ باديسٍ لأكبرُ حازمٍ ... ولكن لعمري ما لديه رجالُ
فلم يُخذل ابن باديس إلا من جهة أنه ليس له رجال يقومون بمساعدته، ومدّ يد المعونة له، وشدّ أزره.
واستطرد ابن خلدون في تحليل أخلاق الساسة، فذكر: أنه قلما تكون مَلَكة الرفق فيمن يكون يقظاً شديد الذكاء، وكثيراً ما يوجد الرفق في الغفل والمتغفل، وأكثر ما يكون في اليقظ أن يكلف الرعية فوق طاقتهم؛ لنفوذ نظره فيما وراء مداركهم، واطلاعه على عواقب الأمور في مبادئها بألمعيته، فيهلكوا، ولذا اشترط الشارع في الحاكم قلة الإِفراط في الذكاء.
وفي قصة زياد بن أبيه دليل على هذا، وهي: أنه لما عزله عمر عن العراق، قال: لم عزلتني يا أمير المؤمنين؟ ألعجز أم خيانة؟ فقال عمر: لم أعزلك لواحدة منهما، ولكن كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس.
فيؤخذ من هذا: أن الحاكم لا يكون مفرط الذكاء والكيس؛ كزياد، وعمرو.
وفات ابنَ خلدون أن التاريخ الصحيح ذكر أن عمرو بن العاص فتح مصر، وبقي والياً عليها حتى توفي - رضي الله عنه -، فعلمنا -مما سبق-: أن الشريعة