الفرنسي المأخوذ منه القانون المصري، وقد نبه سعادته لهذا، فقال:"إن فقهاء المسلمين قد سبقوا الباحثين في القوانين الأوروبية إلى بحث المسائل القانونية، وأدلوا برأيهم فيها".
وتعرض سعادته للحدود والتعازير، وقال:"إن القرآن الكريم قد نص على جرائم خاصة، ووضع لها حدوداً توقع على مرتكبيها، وترك ما عدا ذلك من الجرائم للحاكم يقرر عقوبتها حسبما يشاء، مع مراعاة الزمان والمكان والبيئة، وهذا هو الذي يسمى: التعزير".
ثم قال:"ومن أجل ذلك نستطيع القول بأن قانون العقوبات الحالي هو كله من قبيل التعزير المباح شرعاً".
حقٌّ أن الشريعة الإسلامية وكلت أمر التعازير إلى اجتهاد الحاكم. ونزيد على هذا: أن التعزير على الجرائم لا يعد تنفيذًا لحكم شرعي إلا أن يتولاه الحاكم على اعتبار أن الشارع أذن فيه، وأنه ينفذه احتفاظاً بالمصلحة التي راعاها الشارع في تشريعه، أما إذا تولاه بصفته منفذاً لقانون وضعي، فقد انقطعت الصلة بينه وبين الشريعة، وفاته ما يترتب على تنفيذ أحكامها من تلقي أوامر الخالق تعالى بحسن الطاعة، ثم إن الأمة لا تطمئن إلى أن تساس بالقوانين الوضعية، وإن قيل لها: إن هذه القوانين تطابق الشريعة مطابقة تامة. وكأن سعادته على ذكر من هذا المعنى الذي هو روح التشريع الإسلامي، فأشار في آخر مقاله على المتخصصين في الشريعة الإسلامية أن يجروا في مؤلفاتهم على الأساليب التي يأخذ بها العلماء المؤلفون اليوم في علم الحقوق من الأوروبيين، ورأى أن أجدر الناس بالقيام بهذه المهمة العظيمة "الذين درسوا القوانين الأوروبية، وكانوا مع ذلك متعمقين في دراسة الشريعة الإسلامية".