واتلُ على مسامع شجاع وجبان قولَ الشاعر:
أقول لها وقد طارت شَعاعاً ... من الأبطال: ويحك لن تُراعي
فإنك لو سألتِ بقاء يوم ... على الأجل الذي لكِ لن تُطاعي
ثم انظر كيف وقع البيتان من أنفسهما، فإنك ترى وجه الشجاع في ابتهاج، ولا تكاد ترى في وجه الجبان طلاقة، إلا أن يتكلفها تكلفاً.
وانظر في كتب التراجم، تجدِ المؤلفين ينبهونك في كثير من الأحيان للحكمة التي أخذت من نفس صاحب الترجمة مأخذَ القبول والإِعجاب، ينبهونك لهذا حين يقولون لك: "وكان كثيراً مما ينشد كذا"؛ كما قالوا في سيرة الإمام مالك بن أنس - رضي الله تعالى عنه-؛ إنه كان كثيراً ما ينشد:
وخيرُ أمور الدين ما كان سُنَّةً ... وشرُّ الأمور المحدَثاتُ البدائعُ
وقالوا: كان عضد الدولة كثيراً ما ينشد قول أبي تمام:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا
وقالوا: كان الحسن بن علي الملقب: "فخر الكتاب" كثيراً ما ينشد:
يندم المرء على ما فاته ... من لُباناتٍ إذا لم يقضِها
وتراه فرحاً مستبشراً ... بالتي أمضى كأن لم يُمضها
إنها عندي وأحلام الكرى ... لقريبٌ بعضُها من بعضها
وقالوا: كان الخليل بن أحمد كثيراً ما ينشد قولَ الشاعر:
وإذا افتقرتَ إلى الذخائر لم تجدْ ... ذخراً يكون كصالح الأعمال
ولا أريد من هذا أن الحكمة لا تلقى إلا لمن شأنه الارتياح لسماعها،