للحديث عن أشخاص، أو أشياء معينة؛ كما فعل ذلك الشاعر الذي قصد في نظمه الاعتذارَ عن قوم التزموا اللثامَ في سائر أحوالهم، حتى قال:
لماحووا إحرازَ كل فضيلة ... غلبَ الحياءُ عليهمُ فتلثَّموا
والحكمة التي انساقت تبعاً لهذا الاعتذار، هي: أن كثرة الفضائل تستدعي غلبة الحياء.
ومن الشعراء من يقصد للهزل، ويرمي إلى غرض المزح، فتجود قريحته في أثناء ذلك بالحكمة، نظم علي بن عبد الواحد الملقب (صريع الدلاء) مقصورة في الهزل يعارض بها مقصورة ابن دريد، وما زال يخوض بها في هزل إلى أن جاء فيها بيت يقال: إنه قد حُسد عليه، وهو:
من فاته العلمُ وأخطأَه الغِنى ... فذاك والكلب على حد سَوا
وقد يتوهم متوهم أن الشعر يغلب فيه التخييل، فلا يكون موطناً للحكمة، فأزاح - عليه الصلاة والسلام - مثل هذا الوهم بقوله:"إن من الشعر حكمة".
يختلف الناس في النطق بالحكمة اختلاَفهم في ألوان نشأتهم، وأساليب تربيتهم، ويختلفون في الإِصغاء إلى الحكمة، أو الإِعجاب بها اختلافهَم في الارتياح للغرض المسوقة إليه، فالكريم -مثلاً- يطرب لسماع الحكم الواردة في الكرم أكثرَ مما يطرب له البخيل، والشجاع يرتاح لسماع الحكم الواردة في الشجاعة أكثرَ مما يرتاح له الجبان.
اتلُ في حضرة جواد وبخيل قول الشاعر:
ولو لم يكن في كفه غير نفسِه ... لجاد بها فليتق اللهَ سائلُه
لا شك أنك ترى أثرَ الطرب في وجه الجواد أكثرَ مما تراه في وجه البخيل.