على مذكور يتقدمه لفظاً ورتبة، والحقيقة أن النحاة قرروا قاعدة تجري عليها هذه الآيات بسهولة ورفق، وهي صحة عود الضمير الغائب على ما يحضر في ذهن المخاطب من مساق الكلام، وقد ذكر هذه القاعدة ابن مالك وغيره، وسقنا إليك من شواهدها ما لا يسعك إلا أن تتلقاه باصغاء وقبول.
النوع الثامن:
قال المحاضر:"الثامن: الضمائر التي تعود إلى "من" دون أن تطابقها جنساً أو عدداً، والنحويون يقولون: إن الضمير يرجع إلى "من" باعتبار لفظها، فيفرد ويذكر، وباعتبار معناها، فيطابق هذا المعنى جنساً وعدداً، ولكن رجوع الضمائر إلى الألفاظ مرة، وإلى المعاني مرة أخرى، لا معنى له، فأنت لا تقول: حمزة أقبلت؛ مراعاة لتأنيث اللفظ، وإنما تقول: حمزة أقبل؛ مراعاة لتذكير المعنى، ولو جاز إرجاع الضمائر إلى الألفاظ مرة، وإلى المعاني مرة أخرى، لأصبحت اللغة والنحو ضرباً من اللعب".
الألفاظ التي تستعمل للدلالة على العقلاء ثلاثة أنواع:
أحدها: لفظ يراد به شخص معين؛ كالأعلام، والضمير الذي يكنَّى به عن فرد معين لا يكون إلا كمرجعه مفرداً.
ثانيها: لفظ يرد في صيغة جمع التكسير، أو أحد جمعي السلامة، والضمير العائد إلى معاني هذه الجموع شأنه أن يكون كمرجعه جمعاً مطابقاً، ويلحق بهذا القسم نحو: الذين، واللاتي.
ثالثها: ألفاظ تقال على المفرد مرة، وعلى الجمع مرة أخرى؛ نحو:"مَنْ" الموصولة، ولفظ "منْ" إن أريد به شخص واحد معين، فالضمير الراجع إليه لا يكون إلا مفرداً، أما إذا لم يرد منه شخص واحد، بل أريد منه جماعة،