في الأزهر علم وأدب، وفيه الإرشاد إلى أصول العزة والمنعة؛ كتأكيد رابطة الإِخاء، وتربية الغيرة على الحقوق والمصالح؛ لأنه يدرس فيه القرآن، ولم يغادر القرآن كبيرة ولا صغيرة من نواحي السعادة والعظمة إلا دل عليها بأبلغ بيان.
كيف يكون حال من يتفقه فى مثل قوله تعالى:{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}[التوبة: ٨]، أفلا يشب على التخوف من أن يستولي على قومه من يجحد دينهم، ولا يحترمون شريعتهم؟ ومن مقتضى هذا التخوف البحث عن طريق النجاة من أولئك الذين شأنهم اضطهاد الأمم المستضعفة، والبحث عن طرق النجاة يذهب بالفكر مذاهبَ بعيدة المدى، والفكر الذي يسوقه الإِخلاص، وترافقه الحكمة، يبلغ بتأييد الله غايته، وإن بعد ما بينه وبينها، ووقفت العقبات دونها.
وكيف يكون حال من يتفقه في قوله تعالى:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: ١٣٩]، أفلا يزدري كل عزة ينالها من أشياع الباطل، واثقاً بأن عزة الله فوق كل عزة؟ ومقتضى هذا أن لا يبيعهم عيناً يبصرون بها، أو أذناً يسمعون بها، أو يداً يبطشون بها، بل يأبى له أدبه المتين أن يلقي إليهم السلم، وهو يستطيع أن يكف بأسهم، أو يخفف في الأقل من طغيانهم.
وكيف يكون حال من يتفقه في قوله تعالى:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: ١٠٤]، أفلا يشب على خصلة الإِقدام والتفاني في مواقف الدفاع عن الحق، حتى إذا لقي نصباً، أو مسه أذى، تذكر أن خصمه يلاقي مثل ما يلاقيه هو من العناء والألم،