وللمتكلم الخيار في أن يذهب فيه مذهب الحديث عن المفرد، أو مذهب الحديث عن الجماعة، ولم يبق للنحاة من عمل سوى أن يفرقوا بين الحالين، فقالوا في حال إعادة الضمير عليه جمعاً: إنه محمول على المعنى، وفي حال إعادته عليه مفرداً: هو محمول على اللفظ.
ونحن نفهم من هذا: أن المتكلم ينظر أحياناً إلى معنى "مَنْ" التي يراد بها جماعة، فيجده ذا أفراد متعددة، فيعيد عليها ضمير الجمع، وينظر أحياناً إلى لفظ "مَن"، فيجده خالياً من علامة الجمع المقتضية لأن يكون الضمير العائد إليها جمعاً، فيفرد الضمير؛ رعاية للفظها، ولا يعنون بهذا أن الضمير؛ يعود إلى اللفظ من حيث هو حروف، فإن الضمائر إنما يكنّى بها عما يتحدث عنه، وهو المعاني، بل هو عائد إليه من حيث دلالته على المعنى المراد منه، وإنما اعتبروا اللفظ في حال إفراد الضمير، مع أن الضمائر لا تعود على الألفاظ من حيث إنها حروف؛ نظراً إلى أن اللفظ بخلوِّه من علامة الجمع ساعد على أن يجيء الضمير مفرداً، وإذا وقفنا عند هذا الحد، قلنا: إن العرب يحافظون على المطابقة بين الضمير ومرجعه، والنحاة يشترطون هذه المطابقة كما حافظ عليها العرب، غير أن هذه المطابقة إما أن يراعى فيها المعنى الذي يكنى عنه بالضمير، وإما أن يراعى فيها حال اللفظ الذي عبر به عن المعنى أولاً.
ومما نراه قريباً أن يقول باحث: إن المتكلم حين يفرد الضمير العائد إلى الألفاظ المستعملة في الجمع إنما ينظر إلى المعنى في صورة تقبل هذا الضمير، وهو أن يلاحظ الأفراد المتعددة من حيث اجتماعُها وانضمامُ بعضها إلى بعض، حتى كأنها وهي في سلك المعنى الجامع بينها شيء واحد،