فلو تحدث الشاعر عن انجلاء الليل، وطلوع الصبح، وانبساط الظل، ونزول الطل، وتساقط الندى، وهويِّ الثريا من أفقها بالعبارات المجردة عن مثل هذا التخييل، لما اهتزت النفوس لها هذا الاهتزاز البالغ.
ومن أمثله الشعر الذي جاءه الجمال من حسن ترتيب معانيه، وبراعة نسجه: قول أبي العلاء المعري:
كم بودرت غادةٌ كَعوبُ ... وعُمّرت أُمُّها العجوزُ
أحرزها الولدان خوفاً ... والقبر حرز لها حريزُ
يجوز أن تبطئ المنايا ... والخلدُ في الدهر لا يجوزُ
فمعاني هذه الأبيات يستوي في معرفتها القرويّ والبدوي، ومن الذي لا يدري أن داعي الموت كثيراً ما يبادر الفتاة، ويدع أمها وهي عجوز؟ وأن المنايا قد تبطئ عن بعض الأشخاص، فتطول أعمارهم؟ وأن الخلود في الدنيا غير مطموع فيه؟ ولكن الشاعر صاغ هذه المعاني في سلك التناسب، وأبرزها في ثوب قشيب من الألفاظ العذبة، والنسج الحكيم، فكان لها وهي في ائتلافها، وزخرف أثوابها وقعُ ما تبتهج له النفوس ابتهاجَها لمعان جديدة لم تخطر لها من قبلُ على بال.
ومن الشعر ما هو باطل، وهو الذي وصف الله تعالى أصحابه بقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٧} الآية.
ومنه ما هو حق، وهو المشار إليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الشعر حكمة"، وسنخص البحث عن تأثير الشعر في الأخلاق والاجتماع بإحدى محاضراتنا