حكى المقري: أنه أنشد بحضرة العلامة محمد بن إبراهيم الأبلي، قولَ ابن الرومي:
أَفنى وأعمى ذا الطبيبُ بطبه ... وبكحلهِ الأحياءَ والبُصَراءَ
فإذا مررتَ رأيتَ من عميانِه ... جمعاً على أمواته قُرّاءَ
قال: فاستعادني الأبيات، حتى عجبتُ منه، مع ما أعرف من عدم ميله إلى الشعر، ثم قال: أظننتَ أنني استحسنتُ الشعر؟ إنما تعرفت منه أن العميان كانوا في ذلك الزمان يقرؤون على المقابر، فإني كنت أرى ذلك حديث العهد، فاستفدت التاريخ.
وفي العلماء من يأخذ الشعرُ البارع بمجامع قلبه، ويجد في نفسه قوة على نظمه، فيضرب مع الشعراء بسهم؛ ليزين علمه بهذا الفن الجميل، وسبْقُ الشعراء المتجردين للشعر وحده في هذه الحلبة لا يثني العلماء عن تعاطيه؛ نظرا إلى أنه فن من فنون الأدب الجميلة، وقد ويتخذ وسيلة إلى جلب خير، أو دفع أذى.
والتاريخ يحدثنا أن في أعلام العربية من كانوا يجيدون صناعة القريض؛ كابن دريد، الذي كانوا يصفونه بأنه أعلم الشعراء، وأشعر العلماء، ومن مختارات شعره الأبيات العينية التي يقول فيها:
ومن لم يَزَعْه لبّه وحياؤه ... فليس له من شيب فَودَيه وازعُ
ومثل الإمام النحوي أبي الحسين علي بن أحمد بن حمدون، ومن جيد شعره:
تناءت ديار قد ألفتُ وجيرةٌ ... فهل لي إلى عهد الوصال إيابُ