أما المقاييس، فقد نظم العرب في ستة عشر مقياساً، وهي المدونة في كتب العروض، ومازال الشعراء يصوغون أشعارهم على هذه المقاييس إلى عهد الدولة العباسية، وفي ذلك العهد حدثت موازينُ خارجة عن الموازين السالفة، ووجدت؛ كما تجد الأزجال في هذا العهد، من يعجب بها، ويلذ سماعها.
ومن الموشحات الأندلسية ما يختلف فيه أشطار القصيدة بالطول والقصر اختلافاً بيّناً؛ كقول أبي الحسن بن سهل:
كحل الدجى يجري ... من مقلة الفجر ... على الصباح
ومعصم النهر ... في حلل خضر ... من البطاح
ومن هذا القبيل موشحة ابن الوكيل، التي دخل بها على أعجاز قصيدة ابن زيدون:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ومما يقول في الموشحة:
يا جيرة بانت ... عن مغرم صَبِّ
لعهده خانت ... من غير ما ذنبِ
ما هكذا كانت ... عوائدُ العربِ
لا تحسبوا البُعدا ... يغير العهدا ... إذ طالما غيّر النأي المحبينا
وإذا كان الأدباء في العصور الماضية لم يقصروا شعرهم على المقاييس المعروفة، فأحدثوا مقاييس جديدة، فلا نكره لأديب أن يصوغ الشعر في مقياس محدَث متى وثق من موافقته لأذواق الناس، وارتياحهم لحركاته وسكناته.