وأما القافية، فقد التزمها العرب على النحو المعروف في أشعارهم، حتى اخترع الأدباء الموشحات، فأخذت القافية هيئة غير هيئتها الأولى، كما رأيتها في المثُل التي أوردناها آنفاً.
وفي التزام القافية على الوجه الذي اختاره العرب سابقاً، أو على نحو ما أحدثه الأدباء من بعد، دلالةٌ على البراعة، ومحافظة على وجه من الوجوه التي يمتاز بها المنظوم على المنثور.
وأما المعاني، فللشاعر أن يذهب فيها كل مذهب، وله أن يأخذ في التشبيه والاستعارات كل ما أخذ، فيرسل خياله فيما احتوته الحافظة من المعاني القديمة والحديثة، والطبيعية والصناعية، ويؤلف منها ما شاء من الصور الخيالية، مراعياً أذواق الطوائف التي يريد إثارةَ عواطفها نحو الشيء، أو صرفَها عنه.
وما زال فحول الشعراء في كل عصر يبتكرون المعاني، وينتزعون من مظاهر المدنية المتجددة صوراً يبرعون في صنعها، فلشعراء العصر العباسي بالشرق، أو شعراء الأندلس بالغرب، معانٍ وتخيلات لم يطرقها الشعراء في الجاهلية، أو في صدر الإِسلام، أو عهد الدولة الأموية. وقع هذا التجديد من فحول شعرائنا، وكانوا على شعور من الحاجة إليه، ونبه أدباؤنا على هذا الشعور فيما كتبوا قديماً.
قال ابن سعيد يفاخر أهل القيروان بشعراء الأندلس:"وهل منكم شاعر رأى الناسَ قد ضجُّوا من سماع تشبيه الزهر بالنجوم، وتشبيه الخدود بالشقائق، فتلطف لذلك في أن يأتي به في منزع يصير خلقه في الأسماع جديداً، وكَليلُه في الأفكار حديداً، فأغرب أحسنَ إغراب، وأعرب عن فهمه بحسن تخيله أنبلَ إعراب؟ ".