للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيانها، وأراد أن يكون له نصيب في إحياء ما هجرته الألسنة من كلماتها العذبة السائغة، ففي استطاعته أن يأتي إلى الكلمة التي تخفى معانيها على أكثر القراء، ويوردها حيث لا يفوتهم فهم المراد من البيت، والارتياح لما فيه من حسن التخييل.

فلو أصبحت كلمة "امتشق" -مثلاً- غيرَ جارية في استعمال الشعراء في عصر، لما كان على شاعر أراد إِحياءها من حرج في استعمالها حيث ينبه مساقُ الكلام على المراد منها، كما استعملها العزازي، في قوله:

والبدر نحو الغروب أسرع ... كهارب ناله فرَقْ

والبرق بين السحاب يلمع ... كصارم حين يُمتشقْ

ومن ذا يسمع هذا البيت، ولا يفهم أن القصد: تشبيه حال البرق عند لمعانه بحال السيف عند تجريده من قرابه؟

وأما الأساليب، فيراعى فيها قوانين النحو والبيان المسلَّمة، فلا نقبل من الشاعر أن يقدم خبر "إن" مثلاً عليها، فيقول: "كاتب إن زيداً" بدعوى التجديد في الأسلوب، ولا يحسن منه أن يتكئ على علة التجديد، ويسقط حرف العطف في نحو "لا ورحمك الله"، أو يدع الكلمات والجمل التي توضع في أثناء الكلام، فتكسو البيت لطفاً، وتدفع عنه أوهاماً يفقد بها المعنى قوته، أو ينقلب بها إلى غير مراد، إلى ما يشاكل هذه التصرفات التي تخرج بالشعر العربي عن حدود البلاغة وحسن البيان.

وللشاعر أن يتخذ من الأساليب بعد رعاية قوانين النحو والبيان ما يشاء، وقد اختلفت أساليب الشعراء في دائرة قانون اللغة الصحيح اختلافاً واضحاً، حتى إن الألمعيّ الدارس لأشعار الفحول من الشعراء في عصور متعددة، يكاد