الحافظة، ثم رأى أحدهما، أو جرى ذكره في المجلس، حضر في ذهنه صورة الشخص الآخر. ويدخل في هذا الباب تذكرُ الأسباب عند ذكر مسبباتها، أو تذكر المسببات عند ذكر أسبابها؛ كتذكر النار عند ذكر الحرارة أو الدخان، وتذكر الأجنحة عند ذكر الطيران، وتذكر الأمة وسعادتها عندما يطرق سمعك كلمة الاستقلال، ولهذا عدّ علماء البلاغة من علاقات المجاز: السببية، والمسببية.
ومما ينبهك على أن اقتران الشيئين في الزمان يجعل حضور أحدهما داعياً إلى حضور صورة الآخر: قول الخنساء:
يذكرني طلوعُ الشمس صخراً ... وأذكره بكل مغيب شمس
فإنها تذكره عند طلوع الشمس؛ لأنها كانت تراه وقت الطلوع في مظهر الشجاعة والتهيؤ للغزو، وتذكره عند مغيب الشمس؛ لأن وقت المغيب وقت توارد الضيوف عليه، وإطعامِه الطعام في الغالب.
وتسلسل الأفكار يتكون من هذه الروابط، ذلك أنك تنتقل من صورة أمر إلى صورة آخر، ومن هذه الصورة إلى غيرها، وهكذا يذهب بك التخيل من الأمر إلى ما يناسبه، حتى تضع سلسلة حلقاتها تلك الصور المتماثلة أو المتضادة أو المحسوسة في زمان أو مكان واحد. فإذا شاهدت مصادفة ثلجاً على شجر حوله رمل، وفي منتهى الرمل بحر، فقد يخطر ببالك الثلج في وقت آخر، فتنتقل منه إلى الشجر، ومن الشجر إلى الرمل، ومن الرمل إلى البحر. ولو كنت شاهدت في البحر سفينة، لكنت تنتقل من الرمل إلى البحر، ومن البحر إلى السفينة.
ولو شاهدت الثلج مركوماً في الشارع، والشارع محاط بمبانٍ ذات