بعد غورها، فلا ينسج إلا على منوالها، ولا يرسم حركاته إلا على أشكالها، وباستفراغ الوسع بالسعي وراء نتائجها العظام، دبَّر أبناء نشأتنا الأولى شؤون العالم بأبدع نظام، انفلق أمامهم صبح المعارف والهداية، فاستنقذوا من عماية الجهالة وظلمات الغواية، ونبذت مداركهم الوقوف مع الظواهر ظهرياً، ونشبت بلبابها فاقتطفته من أفنانه غضاً طرياً، ولم تستفزهم نزعات الكسل إلى البطالة والخمول، أو تجمد بهم عن التصرف فيما أضافه الشارع إلى المعقول، ولم تطرقهم -وهم الأشداء- نكبات الضعف، ولم يساموا وهم الأعزة بسوء الهوان والخسف، واستنكفوا من أن تكون ألسنتهم مركزاً للهذيان، واشمأزوا من أن تصبحَ سرائرهم مغمزاً لأصابع الشيطان، وما برحوا يعملون على هاته الشاكلة، متعاضدين على تأييدها بالاتحاد والمشاكلة، إلى أن استحوذ الفشل على بعض النفوس المستضعفة، وانخدعت بدسائس ما زيَّنه من الأباطيل وزَخرفه، ومدَّ يده "رماها الله بالشلل"؛ لنقض شيء من عرى ذلك الاستحكام وقد فعل.
ومن ثم أزمع أبناء النشأة الآخرة، علاج تلك العلة الفاقرة، ومما تنافسوا في اتخاذه ذريعة لنجاح الأمنية، وتسابقوا إلى انتضاء غاربه فكان أسرع مطية، تدوين المجلات والجرائد، وترصيع عقودها بنفائس الفرائد.
وكثيراً ما ترصدنا فترة من العوائق لمسايرتهم بتحرير مجلة علمية أدبية، توفية ببعض حقوق دينية، ولم تهب رياح القدر مسعفة بفصالها إلا في هذا الإبان، فخطرت بأمر مليكنا الأسمى، ومطلع السعادة العظمى، من أحيا بشباب ملكه مجد الأمة، ورفع سمك ترقيها بأكمل تبصر وأفخم همة، وانشرح به صدر الإسلام، وابتهجت بطالعه الأسعد ثغور الأيام، حضرة مولانا وسيدنا