من العلل التي طرأت على الألفاظ العربية استعمالها في غير ما وضعت، وهو من أتعس الذرائع للجهل بالقرآن والحديث، ولما انتبه لذلك عظماء الإسلام صرفوا هممهم في استيعاب الموضوعات اللغوية، وواصلوا فيها الدواوين، وهي موضوعة على أسلوبين، لأن من الناس من يذهب من جانب اللفظ إلى المعنى بأن يسمع لفظاً ويطلب معناه، ومنهم من يذهب من جانب المعنى إلى اللفظ، ولكل من الطريقين وضعوا كتباً ليصل كل إلى مبتغاه، فمن وضع بالاعتبار الأول فطريقه ترتيب حروف التهجي، إما باعتبار أواخرها أبواباً وأوائلها فصولاً، كما اختاره "الجوهري في الصحاح"، و"مجد الدين في القاموس"، وإما بالعكس، كما اختاره "ابن فارس في المجمل"، ومن وضع بالاعتبار الثاني فطريقه أن يجمع الأجناس بحسب المعاني، ويجعل لكل جنس باباً، كما اختاره "الزمخشري في قسم الأسماء من مقدمة الأدب".
وقد اطلع أرباب هاته الصناعة على مأخذ عزيز، وهو أنهم وجدوا بعض الألفاظ عامة باعتبار وضعها خاصة بحسب استعمالها، ومعرفة الوضع في هذا النوع غير كافية، بل لا بدَّ من العلم بموارد الاستعمال، فتتبعوا ما كان من الألفاظ بهاته المثابة وأفردوها بالتدوين، وهو المسمّى "بفقه اللغة"، وهو من أكد ما يحيط به الكاتب والشاعر خبراً كي لا يُحرِّف الكلم عن مواضع استعماله.
- الاستطلاع الثامن:
كانت اللغة العربية في صدر الإسلام آخذة من الاعتدال والاستقامة