للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هيئتها الأولى، وفي آخر عهد الصحابة ألمَّ بمزاجها بعض انحراف نشأ من دورانها على ألسنة لم تتعودها منذ النشأة، فأوجسوا خيفة من سريان تلك العلة إلى جميع الألسنة، فتجتث اللغة من أصولها، وتنغلق عند ذلك أبواب فهم الكتاب والسنّة، فدونوا علم النحو، ولهذا السبب نفسه دونوا علم الصرف أيضاً، وما روي من قول سيدنا عثمان أن في القرآن لحناً وستقيِّمه العرب بألسنتها فغير ثابت نقلاً، ومستحيل عقلاً وشرعاً، والدليل على ما نقوله أن الاشتمال على اللحن إن ادعي أنه ثابت للقرآن حال نزوله، طعن في نحر هذه الدعوى قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ٢]، وإن ادعي أن بعض القارئين لم يتله حق تلاوته، رد بأن الصحابة لا يقع منهم اللحن في الكلام فضلاً عن القرآن، وعلى فرض وقوعه فكيف يُظن بعثمان عدم تغييره؟ وكيف يتركه لتقيِّمه العرب؟ وأصل الرواية لمَّا فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال: "أحسنتم وأجملتم، أرى شيئاً سنقيِّمه بألسنتنا"، وهذا لا إشكال فيه لأنه عُرض عليه عقب الفراغ من كتابته فرأى في رسمه ما لا ينطبق على التلفظ به.

- الاستطلاع التاسع:

لما تحصحص بالبرهان الفصل أن القرآن معجز، أخذ العلماء يتفحصون الجهة التي وقع بها الاعجاز، والذي تخلص للجمهور أن عجز العرب عن معارضته لبلوغه الغاية القصوى في البلاغة، وحيث كان الكشف عن ماهيتها وتلخيص فروعها من أصولها لا يهتدي إليه كل عارف بأوضاع اللغة، أنشأت طائفة من ذوي الفِطَر السليمة تدقق النظر في كل كلام توسمت فيه أمارات البلاغة، حتى استئارت بذلك دقائق عجيبة ولطائف بديعة، انتظمت منها