أصول يُدرك العارف بها أن الكتاب العزيز له السابقية في هاته الحلبة، وصارت بهاته الجهة من العلوم الدينية، واشتغل بها طائفة من أهل هذا الشأن، وأولهم:"الشيخ عبد القاهر"، وبحسب اختلاف جهات البحث رتبوها على ثلاثة فنون:
فن يبحث عن المركَّبات من حيث تختلف صورها لاختلاف الأغراض منها، وسمّوه فن المعاني، وفن يبحث عن الألفاظ من حيث كونها مستعملة في معانيها التي وضعت لها، أو فيما يناسبها اعتماداً على المناسبات، وسموه فن البيان، وفن يبحث عن أحوال تُعرض للكلام فتكسبه حسناً، وسموه البديع، ولغموض مسائل العلمين الأولين، عظمت العناية بهما عندنا بالحاضرة دون الفن الثالث؛ لسهولة مأخذه، عكس ما كان عليه أهل المغرب لعهد "ابن خلدون".
- الاستطلاع العاشر:
ينقسم الكلام العربي إلى نوعين:
الأول النثر: وهو ضربان: سجع وهو الذي يؤتى به قطعاً، ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة، ولا يستحسن إيراده في مثل المخاطبات الإدارية والتحريرات العلمية إلا إذا أرسلته المَلَكة إرسالاً من غير تعسف، ومُرسَل وهو ما يطلق فيه الكلام إطلاقاً من غير تقييد بقافية. والعلم بصياغة هذين الضربين يسمّى بفن الكتابة وصناعة الإنشاء، ومما ينبهنا على شرفها، ما ناله أهلها من الرفعة ونباهة الذكر، "كالربيع والفضل ابنه"، و"بني برمك يحيى وابناه الفضل وجعفر"، و"بني الفرات" وغيرهم في الدولة العباسية، والأستاذ "ابن العميد"، و"الصاحب بن عباد"، وغيرهما في سلطنة بني بويه،