و"عبد الرحيم المشهور بالقاضي الفاضل"، و"العماد الأصبهاني" في سلطنة بني أيوب، و"ابن زيدون ولسان الدين بالمغرب"، و"عبد الحميد بن يحيى" كاتب مروان آخر ملوك دولة بني أمية، إلا أنه أطال النفس في الكلام، وزاد في المقاصد زيادة يخرج الكلام عن حد الإفادة، بحيث إذا ورد الكتاب على مأمور ينفذه، قال لكاتبه:"خذ هذا الكتاب واقرأه، وتأمل ما فيه، واستخرج لي غرضه"، فيتعب الكاتب في ذلك حتى يلخص عبارة وجيزة تتضمن المقصود، وتكون هي روح الكتاب، ويكون الباقي بمنزلة اللغو، وينقل عن "جعفر بن يحيى" أنه كان يقول لكتّابه: "إن استطعتم أن تجعلوا كتبكم كلها توقيعات فافعلوا"، والتوقيع هو ما يكتبه الكاتب عن السلطان فمن دونه من أولي الأمر في أواخر الكتاب مما يريد المكتوب عنه إجراءه، ويكون ذلك بعبارات مختصرة، وافية بالغرض، متمكنة في باب البلاغة، وكان الناس يطلبون توقيعات "جعفر بن يحيى"، حتى قيل:"إن الورقة من كتبه ربما اشتريت بدينار".
- الاستطلاع الحادي عشر:
النوع الثاني الشعر، وهو كلام مفصل قِطَعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير، وله مباحث شتى، وليس من الغرض الآن الانطلاق إليها، فإن ظلها لغرة هذه المجلة غير ظليل، وخلاصة ما نقوله الآن: إن دراسة شعر العرب يُتَذرع بها إلى فهم نظم القرآن وأقوال النبي عليه الصلاة والسلام، فعدُّها من الدين ضربة لازب، وأما إنشاؤه فمع إحكام وضعه وانتفاء مواده التي يجب تحته منها فحلية للعلماء وزينة للأدباء، ومن تعاطاه لفضيلته لم يوحشه كساده.