لما انتهت الخلافة إلى بني العباس، كان أول من عُني منهم بالعلوم "الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور"، فبعث إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات، ولما أفضت الخلافة إلى السابع "عبد الله المامون"، تمم ما بدأ به جدُّه، فداخل ملوك الروم وسألهم وصله ما لديهم من كتب الفلاسفة، فأرسلوا إليه ما حضرهم من كتب "أفلاطون" و"أرسطو" و"بقراط" و"جليانوس" و"إقليدس" و"بطليموس" وغيرهم، وأحضر مهرة المترجمين فترجموا له على غاية ما أمكن، ثم كلف الناس قراءتها ابتغاء الانتفاع بها من حيث العلم والعمل.
ومن فروعها علم الطبيعة والمنطق والهيئة والطب والهندسة والعدد، ولقد بالغ بعض المفسرين في نسبته الجهل للعرب بهذا العلم الأخير، حتى ذكره نكتة للتصريح بالعشرة في قوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}[البقرة: ١٩٦]، وسنأتي على ما يخص هاته العلوم الفلسفية في فصل يستقل بها، نتصدى فيه لييان فوائدها مع تحرير المقدار الذي يجب الانتهاء إليه. هذا ونقدم لحضرة كل عالم نحرير، أو ألمعي مهذب، أو أديب بارع، ممن كتب على نفسه مراقبة أحوال جنسه العمومية، أن هاته المجلة مستعدة لقبول كل ما يرد عليها من الرسائل المنقحة، التي تنطبق على المنهج الذي كنا بصدد تسويته، ولا أخاله إلا صراطاً سوياً، ونؤمِّل من عواطف هؤلاء الفضلاء، أن ينظروا إلى ما تنطوي عليه صحائف هاته المجلة كيفما صدرت نظر بحث وانتقاد، وإن عثروا على نوع ما من الخلل جاهرونا به، ولا نتلقاه إلا بفساحة الصدر وغاية الارتياح،