ما سكنت هواجسي، ولا اختلف إدراكي، بأن كنه حياة الأمم ونفثة روح استفاقتها من سنة الجهالة وفساد الأخلاق، ليس غير بث الفضيلة وإيقاظ العيون إلى الواجبات والحاجات الأولية بعد حيرتها في ظلمات الشبهات التي غشيت أبصارها، وخيلت لها جميع ما يحيط بمركزها مهاوي تتوقع السقوط إلى قعرها، فلا ريبة أنها إن أشرقت عليها أنوار التيقظ أضاءت لها الأرجاء، فتقدمت نحو غايتها بخطى واسعة فما وصولها إليها بعد بعزيز.
أما إن ذهبتُ أفكر كيف يكون إيصال هذا المعنى إلى أمة كاملة، وأي لسان يُسمعها إن ناداها، وهي تملأ من الكون فضاء رحباً، وتختلف في الشرب الخلاف الذى صيَّر جميعها صعباً، فإني لا أجيد خليقاً بذلك غير لسانين: لسان التعليم (وإنه للسان حكيم)، لكنه يشتمل على عقدة ربما لا تجعله نافعاً في ذكرى الذاهلين وعظة المسرفين، ولسان النشرات العلمية التهذيبية تموج صدى صوته تجاويف حروف الطبع، فيخترق آذاناً طالما تصاممت عن عظة الواعظين، ويبلغ إلى قلوب غرق بها منام الحالمين، فلا تسل بعد عنها، وقد أشرقت عليها أنوار المعارف، كيف تنهض إلى سماء حقائق الأشياء فتصافح أفلاكها، فإن عجزت عن إدارتها لا تعدم نقد حركاتها.
ثم ما زلت راجياً أن أرى منّا ناهضاً يحمى لهاته الأمة فخاراً، ويقول لأهلها:{امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}[القصص: ٢٩]، فهذا رجائي قد أسفر عن مجلتكم العظمى، وعسى أن يقارنها من تعضيد المؤازرين ما تحقق به الآمال،