أسرعوا إلى إطفاء نيرانه قبل تسعُّرها صيانة لوجه المدنية الكبرى من أن تغشاه غبرة أو ترهقه قترة، وقياماً بحق الوراثة المنوطة بعهدتهم من قبل صاحب الشريعة، وهم على خبرة أيَّدهم الله، إن هذه المقاصد التي صعَّدنا إليها النظر، لا تنفك عنهم تبعتها إلا بإفراغ الجهد في التجاهر بما لها أو عليها، ولا أرفع صدى وأبعد مدى من لهجات أقلامهم المرتاضة، ونفثاتها الفعالة في النفوس الآخذة بمجامع القلوب.
وبذلك يتجلى في عالم الشهادة ما لساداتنا العلماء من الشرف الرفيع والمقام المحمود، ويعلم المستخفون الآن بحرمتهم، أن خطتهم أفسح مجالاً من أن تقتصر على حكاية ما بين دفتي كذا، مع التماوت في ثوب الخمول والإعراض عن النظر في كل ما يُعدُّ ظاهراً من الحياة الدنيا، وعدم الاعتبار بما تضعه بطون الليالي من الحوادث الجليلة، وفي عناية الذين أوتوا العلم بشأن الكتابة مآرب آخرى.
منها المحافظة على ما للإنشاء العربي من الأساليب المؤثرة على الأذهان، وإحياء ما اندرس من آيات سحر بيانها، وفي ذلك أخذٌ بيد الخلف إلى حيث يقفون تجاه قوم سروا في مضمار هذه الصناعة شوطاً بعيداً، ولقد نعلم أنهم لم يقيموا جدار هذا الارتقاء باستعداد زائد في فطرتهم، أو لقوة فائقة في إنسانيتهم، أو لسر خصَّه الله بأقلامهم، وإنما سلكوا مسلك الحزم والنشاط، فمسحوا عن أعينهم نوماً كان شره مستطيراً. هم رجال ونحن رجال، أقلامهم من القصب الذي ننحت منه أقلامنا، ولا يحملونها إلا بمثل أناملنا قوة وشكلاً. أما مدادهم فمن نوع ما نكتب به الحروف الهجائية لصبيان المكاتب، وأما محابرهم فليست غير تلك الظروف التي نبتاعها من الزجّاجين، ولنا أن نتخذها