زجاجات كأنها قوارير من فضة، وأما ورقهم الذي ينشرون فيه ذلك الطراز البديع فها هو ذا بين أيدينا لم ندرك فرقاً بينه وبين ما يضع فيه الباعة سقط متاعهم، ويكأنهم تقدموا وتقاعدنا، وافتكّوا عزائمهم من سلاسل التكاسل وأغلال التواني، واستماتت هممنا تحت إصرها الثقيل، ونحن بما عندنا راضون، ويقول بعض الملأ الذين استكبروا لمثل ذلك السكون فليعمل العاملون.
وههنا نكتة أخرى نستأذن حضرات القرّاء في إرسالها، وهي أن بعض الشعب يريد كل أمرئ منهم أن لا يصدع بكلمة حتى يتسلمها جميع من في العالم بيد القبول والاحترام، وإلا فلا يكلم بها إنسياً خشية أن يسترق الشياطين سمعها، علة ذلك أن قلوبهم مستضعفة لا تتجلد بالمصابرة على سهام الانتقادات الراشقة، يود الكاتب أن يخر من السماء فتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق، ولا يبدي رأياً ترده النقاد على عقبه، لما يُقدِّره من أن دحض رأيه ولو مرة تسقط به جلالته من أعين الذين يتهيبونه، مع أنه كثيراً ما يحكم على بعض الجهابذة بعدم الإصابة في عدة مسائل، ولا يهضم ذلك من جانب عظمتهم شيئاً.
ولا يختلج في ضمائرنا أن تلك الأمة التي تقدمت في طريق الأدب شعراً وكتابة، بمجرد ما تنبهوا بعد ذلك السبات المديد، انتصبوا قائمين على هذه الصورة التي نشخِّصهم بها اليوم، حتى نستصعب أن نكون غداً أو بعد غد واقفين حيالهم، ويقودنا هذا الاستصعاب إلى التمسك بحبال اليأس والقنوط والزهد في رقيهم الأسمى، بل نستيقن أنهم لم يصلوا إلى هذه الدرجة القصوى إلا بالتنقل في طريقها رويداً رويداً، ومجاهدة مصاعبها