للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من طعام الأثيم ما لا يكاد يسيغه، من أجل هذه الوساوس الباطلة والأوهام العاطلة، يتخذه بعض البسطاء معذرة يلقيها إليك إذا ما قذفت ابنه أو أخاه بسوء التربية وسماحة الطبيعة.

إنما الليالي حلقات تماسكت فتكوَّنت منها سلسلة نسميها بالزمان، وإنها لأشبه ببعضها من الماء بالماء والهواء بالهواء، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما مثل الأيام إلا كمثل أكواب من قوارير تتلون بلون ما تشغل به، فإن ضمنت سُمَّاً زعافاً لاحت فيها مخائل الاستيحاش، وإن حفظت شراباً طهوراً انطبعت فيها شمائل الإيناس.

ينظر إخوان الأنعام إلى ما بين أيديهم من الزمان بعيون حشوها الغفلة وأفئدة منزوعة من التدبر، حتى إذا مرَّ مر السحاب، وآيسوا من عوده أياس الشيخ من الشباب، سقط في أيديهم على ما فرطوا في جنب الله، وعضوا الأنامل من الندم على ما خسروه من المشروعات النافعة.

"الزمان" لا يقدِّر قيمته الثمينة حق قدرها غير رجل تلقته الحكمة من كل جهة، تمكن من جانب التبصر في حقائق الأشياء، فينظره بعين المشوق المستهام، ويستفرغ في نقده كل ما لديه من الاستطاعة، ولا يعز عليه أن يبقى نتاج ما يدفنه في بطونه من المساعي الخيرية منسية، يستأثر بباكورته اللذيذة من يولد من بعده.

إن فرغ الفؤاد من عواطف الإنسانية، لا ينسج بمساعيه إلا على المقدار الذي يعلق عليه أمل حياته، حتى إذا مكنته الفرصة من بذر ما يستأخر حصاده لعشيرته التي تجمعهم به صلة القربى، صاعر خدّه إباية ونام على صماخ أذنيه سباتاً عميقاً. بهاته الهمة نفسها حشي دماغ رجل آخر يذوق حلاوة التعليم،