ويستمرئ لذة التهذيب، ويترك ابنه ساذجاً الحد الذي يبغضه الله ويمقته الناس.
أي شهادة على سخافة مدرك الرجل وفقد شعوره، أعظم من أن يمثل أمام عينه الزمن الذي يبلغ فيه الطفل أشده، ويرسم في مخيلته كيف ينتظم في دائرة رجاله، ولا يؤهله بالتربية الحسنى لأن يكون سيداً نبيلاً.
لا يدري كثير من الناس أن الطفل واحد من رجال الأمة إلا أنه مستتر بثياب الصبا، فلو كشف لنا عنه وهو كامن تحتها لرأيناه واقفاً في مصاف الرجال القوَّامين، لكن جرت سنَّة الله أن لا تتفتق أزوار تلك الأستار إلا بالتربية شيئاً فشيئاً، ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه من التدريج، قد يعرض للصبي أن يظهر في مظاهر تخالف قاعدة الحكمة قولاً أو فعلاً، فتدخل على كافله شبهة أن تكون تلك الأحوال ناشئة عن غرائز لا تقوى يد التربية على نسخها من صحيفة النفس، فيعدل عن تقويم التوائه جانبا ويخلِّي بينه وبين تلك الأعراض السيئة مغضوبا عليه، لا ينبغي أن تعتبر الحركات التي تظهر على جوارح الأطفال علامات يهتدى بها على شعائرهم الغريزية، فكم من غلام تتوسم في طبعه ليناً وسهولة وإذا ضربته على قانون التربية وجدته يبساً صلداً، وتتفرس في طبع آخر فظاظة وأمتاً، فإذا مسكت بعنانه وهويت به على مضمار التعليم كان أسرع لتلبيتك من الصدى، وألين ديباجة تنقش عليها آيات الفضائل.
لم يفقه بعض أرباب البيوت ومن يحاول اللحاق بهم أهمية التربية حتى الآن، فيفرطون في مجاراة الولد على جميع أهوائه، ويفوضون له أن يقضي ما هو قاض، وربما تغنوا بمديحه في المجامع الحاشدة، وأطروه بما لا تنطبق