شهادة ثماره عليه، ولبئس ما كادوه به لو كانوا يعلمون، إنما نصبوا لهذا المسكين مكيدة تسد في وجهه أبواب الآداب الجميلة، وتجعل بينه وبين السعادة حجاباً مستورًا، ليت شعري بماذا تجادل عن نفسك أيها الكفيل، إذا ألقيت على عواهنك مسؤولية إغفال الطفل في مراتع وخيمة، وأنت تعلم علماً كاشفاً أَن لا محيص عنه في عرضه على بعض مطالب الاجتماع، ولم يكن بد من قيامه مقاماً يكون عدم تأهله له جناية على الهيئة بتمامها؟!
أخشى أن يضاعف لك العذاب ضعفين، تعذب على تشويه تلك الجوهرة المكرمة عذاباً نكراً، وتحوز من عقوبة تلك الجناية العامة نصيباً مفروضاً. إن الأرواح لتنمو بالتربية اللطيفة كما تنمو الأجسام بالغذاء الصحيح، ولنماء الجسم حد معلوم وغاية لا تتجاوز، إذا أُدرك شأوها أخذ في التقهقر إلى وراء، أما نماء الروح فموصول بحياة الإنسان، لا يقف إلا إذا خمدت أنفاسه وبارح مدرسة هذا العالم الكبرى.
نؤسس على هذا أن المعلم لا يمكنه الإحاطة للولد بصغائر التربية وجزئياتها من جميع أطرافها ضرورة، إن من أصولها ملاحظة العوائد ما يعم الجمهور منها وما يخص الأفراد، وجزئيات هذا الأصل مما تفوق حد الوصف، ويكلُّ لسان الإحصاء دون نهايتها، فليس في مقدرته إلا تلقيح ذهن الطفل بقواعد كلية لا يهجم منها على البعيد الشارد قبيل أن يذلل مراسه بالقريب الذي يؤخذ بالأيدي مع النظر في مظاهر أمياله نظر المنجم في الميقات، حتى إذا أبصر فيها إحديداباً قوّمه بالتي هي أحسن والسلام.