ولما كانت المنافع كلها تنقسم إلى ما يكون بالملائمة، مثل ما يوجد من مناسبة بعض الصور لبعض النفوس، فيحصل لها بمشاهدة تلك الصور المناسبة لها ابتهاج وذلك الابتهاج نوع من المنافع لتلك النفس، وإلى ما يكون بالفعل، مثل ما يفعله الإنسان من إسعاف آخر بطلبته فيكون إسعافه بها منفعة له، وإلى ما يكون منفعة بالقوة والمآل أو بتشفي النفس فقط، مثل ما تحل مضرة بعدو إنسان فينتفع ذلك الإنسان بأن تضعفه له وتقويه على مقاومته والانتصاف منه.
وكانت المضار تنقسم إلى أضداد ما ذكرته، اقتضى ذلك انقسام الذكر الجميل إلى ما يتعلق من المنافع بالأشياء المناسبة لهوى النفس، ويسمى ذلك نسيباً، وإلى ما يتعلق بالأشياء المستدعية رضاء النفس، ويسمى ذلك مديحاً، وكان ما يتعلق من الذكر القبيح بالأشياء المنافرة لهوى النفس، والأشياء المتباعدة عن رضاها كلاهما داخل تحت قسمة واحدة وهي الهجاء، ولما كان ما يُنفِّر منه قد يقع ممن يُحتمل منه ذلك ولو أدنى احتمال، فلا يؤاخذ به جملة أو لا يؤاخذ به كبير مؤاخذة، ومنه من يؤخذ به أشد المؤاخذة سمي ما يتعلق من القول بذلك بحسب طبقات من يقع ذلك منهم، ونسبتهم إلى القائل معاتبة وتوبيخاً وتقريعاً، ولا يخلو الشيء الحاصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه، من أن يكون ذو العناية به واحداً كان القائل أو غيره ويكون هو حاكياً ذلك عنه، أو يكون قد عني به متنازعان في استجلابه أو مدافعته كان القائل أحد المتنازعين أو لم يكن.
غير أنه يحكي حالهما أو يكون حاكماً بينهما، فيكون الكلام على هذا اقتصاصاً أو مشاجرة وإما فصلاً في مشاجرة، وقد تكون المشاجرة والفصل فيهما متعلقين بما يُستقبل، فأما الأمور التي لم تحصل مما شأنه أن يطلب