رسول الله، وألحوا في استبدالها بابن عبد الله، فحين أبي أن يمحوا هذا الوصف محاه رسول الله وكتب ما طلبوا. فأنكره عليه "ابن الصايغ" وكفَّره بإجازته الكتابة على رسول الله، وهي تكذِّب الأمية الموصوف بها في القرآن، وأكبرها الناس إذ لم يسمعوها من قبل، وكان من حقهم لو كانوا يعلمون، أن يكبروا الحديث لا مقال أبي الوليد، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وأكثر المقالة فيه من لم يفهم غرضه حتى أطلق عليه اللعنة علماؤهم، وضمنوا البراءة منه في أشعارهم، وحتى قام بذلك بعض خطبائهم في الجمع، وحتى قال "عبد الله بن هند" فيه قصيدة استهلها بقوله:
برئتُ ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إنَّ رسول الله قد كتبا
قال عياض:"ولم ينكر عليه أولو التحقيق في العلم، وكتب بالمسألة إلى شيوخ صقلية فأثنوا عليه وسوغوا تأويله، وأنكروا على من أنكر عليه، وألَّف في ذلك رسالة بيّن فيها وجوه المسألة، وأنها لا تقدح في المعجزة كما لم تقدح القراءة في ذلك بعد إن لم يكن قارئاً من قبل، بل في هذا معجزة أخرى"، ولولا تعلقه بجانب من الدولة لخشي من هاته العصبية الضالة على حياته، رُوي عنه أنه كان يقول -وقد ذكرت له صحبة السلطان-: "لولا السلطان لنقلني الذر من الظل إلى الشمس". من أجل هذا لم يُولَّ إلا قضاء مواضع من الأندلس تقصر عن قدره، فكان يبعث لذلك خلفاءه.
* ثناء الأفاضل عليه:
مثل أبي الوليد لا تذعن له النفوس حتى يموت، فشهد له "ابن العربي"، و"عياض"، و"ابن بسام"، و"ابن خلكان"، و"ابن بشكوال"، وسُئل عنه "الصدفي الحافظ" فقال: "هو أحد أئمة المسلمين لا يُسأل عن مثله وما رأيت