يستثقلني بعد ذلك حتى منعني كتاب "العين" وكنت ذهبت إلى الانتساخ من نسخته، فلما قطع بي قيل لي:"أين أنت من أبي العباس بن ولاد"، فقصدته، فلقيت رجلاً كامل العلم حسن المروءة، فسألته الكتاب فأخرجه إليّ، ثم ندم أبو جعفر لما بلغه إباحة أَبي العباس الكتاب إلي، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه.
ثم عاد منذر وولي قضاء الجماعة "بقرطبة" زمن ولاية "عبد الرحمن الناصر لدين الله". قال "الفتح بن خاقان" في "مطمح الأنفس": "وناهيك من عدل أظهر، ومن فضل اشتهر، ومن جور قبض، ومن حق رفع ومن باطل خفض، وكان مهيباً طيباً صارماً، غير جبان ولا عاجز ولا مراقب لأحد من خلق الله في استخراج حق ورفع ظلم".
واستمر في القضاء إلى أن مات "الناصر لدين الله"، ثم ولي ابنه "الحكم" فاقره وفي خلافته توفي بعد أن استعفى مراراً فما أعفي، فلم يحفظ عليه مدة ولايته قضية جور، ولا عدّت عليه في حكومته زلة، وكان غزير العلم، كثير الأدب، متكلماً بالحق، متبيناً بالصدق له، وقال:"وكان القاضي "منذر ابن سعيد" شديد الصلابة في أحكامه والمهابة في أقضيته، وقوة القلب في القيام بالحق في جميع ما يجري على يديه، لا يهاب في ذلك الأمير الأعظم فمن دونه".
وأول سببه في التعلق في "الناصر لدين الله"، ما حكى "المقري" قال: "لما احتفل الناصر لدين الله لدخول رسول ملك الروم بقصر قرطبة الاحتفال الذي اشتهر ذكره، أحب أن يقوم الخطباء والشعراء بين يديه لذكر جلالة مقعده، ووصف ما تهيأ له من توطيد الخلافة في دولته، وتقدم إلى الأمير