قلت لغلام خليل:"هذه الأحاديث التي تحدث بها من الرقائق"، فقال:"وضعناها لنرقق بها قلوب العامة". قال ابن الجوزي: غلام خليل كان يتزهد، ويهجر شهوات الدنيا، ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت أسواق بغداد يوم موته. وقد حسَّنَ له الشيطان هذا الفعل القبيح. وليس قصد هؤلاء لحمل الناس على عمل الخير بعذر يزحزحهم عن وعيد الكذب على صاحب الشريعة؛ فإن معنى "من كذب عليَّ متعمداً ... إلخ ": من نسب إليّ ما لم أقله، كان منزله يوم القيامة في النار.
وقد استجاز قوم وضع الأسانيد لكل كلام حسن، ورفعه إلى النبي - عليه الصلاة والسلام -. وكان محمد بن سعيد يقول: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسناداً. وفي الكتاب العزيز والسنة الصحيحة ما يكفي لتذكير الغافلين، وإرشاد الضالين، ولاسيما إذا تولى بيانه ذو فهم منتج، وأسلوب حكيم.
وقد يجيء وضع الحديث من قلة تَثَبُّتِ الراوي؛ كما وقع لثابت ابن موسى الزاهد، إذ دخل على شريك بن عبد الله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر متن الحديث -، فلما نظر إلى ثابت، قال: من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار، وإنما أراد بذلك ثابت بن موسى؛ لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه روى الحديث مرفوعاً بهذا الإسناد، فكان ثابت يحدِّث به عن شريك عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر. قال صاحب "جامع الأصول" وليس لهذا الحديث أصل إلا من هذا الوجه.
وقد يقع في وضع الحديث من لا يقصد إلى الكذب، وإنما تضيع كتبه،