أو تحترق، فيرجع إلى حفظه، فيخونه، ويحدّث عن غلط في الرواية. ومن هؤلاء: عبد الله بن لهيعة الحضرمي؛ فقد تلفت كتبه بمصر، ورجع إلى حفظه، فتخبط في خلط، وحدّث بالمناكير.
رأى - عليه الصلاة والسلام - ما في جناية الكذب عليه من سوء الأثر، وعظم الخطر، فقال:"من كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار". وقد بلغ هذا الحديث من حيث المعنى مبلغ التواتر، وكادت استفاضته على ألسنة الموثوق بروايتهم تنتهي به إلى درجة المتواتر بلفظه. أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وغيرهم. وقال السيوطي: روى هذا الحديث أكثر من مئة من الصحابة. ونقل ابن الجوزي عن أبي بكر محمد بن عبد الوهاب الإسفرائيني: أنه ليس في الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة المشهود لهم بالجنة غير حديث: "من كذب عليَّ ... إلخ".
ولهذا الحديث، وما فيه من الوعيد البالغ والإنذار الرائع، كان بعض الصحابة - رضي الله عنه - يقلل من رواية الحديث عن النبي - عليه الصلاة السلام -؛ ففي الصحيح عن أنس: أنه قال: ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من تعمد عليَّ كذباً، فليتبوأ مقعده من النار". وفي "البخاري"، وغيره عن عبد الله بن الزبير، قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدِّث عن رسول الله كما يحدِّث فلان وفلان. قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول:"من كذب عليّ، فليتبوأ مقعده من النار"، زاد الدارقطني: والله! ما قال: "متعمداً"، وإنكم تقولون: متعمداً.
ولخطر الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضرره الذي يمس حكمة الدين، أو يقلب بعض حقائقه، كان بعض الخلفاء الراشدين يتحرزون في الأخذ بالحديث،